afterheader desktop

afterheader desktop

after Header Mobile

after Header Mobile

ليلة في إفريقيا….رؤية جديدة لتنمية مدينة العيون الحبيبة.

الصحراء لايف : بقلم الدكتور عبد القادر بريهما

 

قبل سنة 1975، كانت مدينة العيون تعيش وضعًا متواضعًا على مستوى البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية، حيث كانت تفتقر إلى التجهيزات الأساسية في مجالات الصحة والتعليم والماء والكهرباء، فيما كانت طرقها محدودة وضعيفة الربط مع باقي مناطق المملكة، كما أن فرص الشغل كانت شبه منعدمة، والساكنة تعيش على الهامش، الأمر الذي جعلها تعاني من عزلة اقتصادية واجتماعية خانقة. وقد كان هذا الواقع نتيجة سنوات طويلة من الاستعمار الإسباني الذي لم يولِ أي اهتمام حقيقي لتنمية المنطقة وسكانها.

ومع استرجاع المملكة المغربية لأقاليمنا الجنوبية سنة 1975، انطلقت مقاربة تنموية شاملة تهدف إلى إدماج هذه المناطق في مسار التنمية الوطنية، حيث جُعلت التنمية الجهوية أداة لتثبيت الاستقرار وتعزيز الروابط بين الساكنة والدولة. وقد اعتمدت المملكة المغربية على الاستثمار المكثف في البنيات التحتية الكبرى، وبناء مؤسسات اجتماعية وتعليمية، وخلق فضاءات اقتصادية تضمن فرص العيش الكريم. ولم تكن هذه المقاربة ظرفية، بل استراتيجية بعيدة المدى تستهدف بناء أقاليم مزدهرة ومندمجة في النسيج الوطني.

وارتكزت جهود التنمية في الأقاليم الجنوبية على ثلاثة محاور أساسية: البنيات التحتية من طرق ومطارات وموانئ وشبكات ماء وكهرباء، والتنمية الاجتماعية من خلال بناء مدارس ومعاهد ومستشفيات ومراكز للتكوين المهني، ثم التنمية الاقتصادية عبر تشجيع الفلاحة العصرية والصيد البحري واستغلال الثروات الطبيعية والسياحة وتوفير مناخ استثماري محفز. وقد ساهمت هذه المحاور مجتمعة في تقليص الفوارق وتحويل المنطقة من فضاء معزول إلى قطب اقتصادي صاعد.

ولعبت المملكة المغربية دورًا محوريًا في هذا المسار عبر المديريات والقطاعات الوزارية التي وُزعت على مختلف جهات الصحراء، حيث أُنشئت مصالح خارجية ومديريات جهوية ومإقليمية تشرف على تنفيذ السياسات التنموية ومواكبة مشاريع البنية التحتية والخدمات العمومية، وهو ما ساعد على تقريب الإدارة من المرتفقين وضمان فعالية أكبر في إنجاز الأوراش. كما اضطلعت السلطات المحلية بدور أساسي في تنزيل برامج التنمية، إذ سهر السادة الولاة والعمال على تتبع المشاريع ميدانيًا وضمان انخراط كل الفاعلين فيها، مما عزز الثقة بين الساكنة والدولة. وفي السياق نفسه، ساهم المنتخبون في بلورة التنمية الجهوية من خلال مجالسهم المنتخبة، حيث تمكنوا بحكم قربهم من المواطنين من تحديد الحاجيات الحقيقية للساكنة وترجمتها إلى مشاريع ملموسة، ما جعلهم شركاء أساسيين في تفعيل النموذج التنموي بالصحراء.

Siam

وفي إطار هذا المسار، يبرز مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحته المملكة المغربية كخيار استراتيجي يجمع بين تثبيت الوحدة الوطنية وتعزيز التنمية الجهوية، إذ يضع تنمية الأقاليم الجنوبية في صلب الحكامة الجهوية من خلال منحها صلاحيات واسعة لتدبير شؤونها بنفسها، بما يضمن مشاركة السكان في صياغة وتنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبهذا، يشكل الحكم الذاتي امتدادًا طبيعيًا للمقاربة التنموية التي باشرتها سلطات البلاد منذ سنة 1975، ويؤسس لمستقبل أكثر إشراكًا وازدهارًا للأقاليم الجنوبية.

ويُنتظر أن يشهد المستقبل التنموي لمدينة العيون والأقاليم الجنوبية تحولات كبرى بفضل المشاريع المهيكلة الجارية. فإحداث المستشفى الجامعي الكبير ومشروع المستشفى الجامعي العسكري سيجعلان من العيون قطبًا صحيًا متقدمًا يخدم المواطنين جهويا وإقليميا، فيما يفتح مشروع جامعة العيون الكبرى وكليات الطب آفاقًا رحبة لتكوين أجيال من الأطر والكفاءات. كما أن مدن المهن والكفاءات ستشكل رافعة لإدماج الشباب في سوق الشغل، إلى جانب الانفتاح على دول غرب إفريقيا عبر جالية متعلمة وفاعلة في الجامعات والمعاهد، وهو ما سيعزز إشعاع العيون كمركز للتبادل الثقافي والتجاري.

ولكي ترقى مدينة العيون إلى مستوى كبريات المدن المجاورة بجزر الكناري، فإن التأهيل البنيوي يجب أن يرتكز على توسيع ضواحي المدينة وربطها بشبكات نقل حضري متطورة، واعتماد نموذج المدن الذكية المبني على الرقمنة والطاقة المتجددة، مع دعم التوسع العمراني وفق تخطيط حديث يحافظ على الهوية المحلية ويستجيب للطلب المتزايد على السكن. كما أن تشييد مطارات دولية جديدة وفنادق وتعزيز الموانئ سيجعل المدن الجنوبية وعلى رأسها مدينة العيون بوابة رئيسية نحو إفريقيا وأوروبا، إضافة إلى تنويع التجارة مع إفريقيا وعلى رأسها موريتانيا، وخلق مناطق صناعية ولوجستية، وتطوير كورنيش ومناطق سياحية عصرية تجعلها وجهة تنافسية قادرة على جذب الاستثمارات والوفود السياحية.

وفي هذا السياق، يبرز التفكير في استثمار الأعداد الهائلة من السياح الذين يتوافدون على جزر الكناري باعتباره فرصة حقيقية لابتكار عروض سياحية جديدة، إذ يمكن عبر مشروع “ليلة في إفريقيا” استقطاب جزء من هؤلاء السياح لقضاء ليلة أو ليلتين في العيون أو ضواحيها، يستمتعون خلالها ببرنامج إفريقي متكامل يجمع بين الفنون الحسانية والمطبخ المحلي والخدمات الصحية والاستجمامية كتجربة الحمامات الرملية والجولات في الشواطئ والكثبان. ولتنزيل هذه الفكرة، يمكن عقد شراكات مع الفنادق الكبرى هناك لتسويق العرض كخيار إضافي ضمن باقاتهم السياحية، مع تهيئة البنيات المستقبلة عبر بناء نزل صحراوية أو قرى إيكولوجية أو منتجعات على الطراز المحلي. كما أن التسويق المشترك مع وكالات الأسفار وشركات الطيران منخفضة التكلفة وتنظيم رحلات جوية قصيرة بين العيون ولاس بالماس أو تينيريفي سيجعل من التجربة خيارًا جاذبًا للسائح الأوروبي. بهذا التصور، يمكن للعيون أن تفتح بوابة جديدة للسياحة الاستشفائية والاستجمامية الإفريقية، وتضيف بعدًا اقتصاديًا وثقافيًا يعزز مكانتها كمدينة ذات إشعاع دولي ومركز للتواصل بين أوروبا وإفريقيا.

الدكتور: عبدالقادر الحافظ بريهما.

 

Siam
تعليقات الزوار
جاري تحميل التعاليق...

شاهد أيضا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافقالمزيد